
شووت – كووورة
من كان يظن أن ذلك الفتى الذي أذهل العالم في سن السابعة عشرة، قبل أن تتكسر أجنحته تحت وطأة الإصابات، سيعود يومًا بهذه القوة؟
يعيش أنسو فاتي، جوهرة برشلونة المعارة إلى موناكو، هذه الأيام لحظة توهج كروي نادرة، تجمع بين النضج، والثقة، والرغبة في استعادة المجد الضائع.
وبعد سنوات من التراجع والخيبات، عاد فاتي ليحتل صدارة المشهد، ويتصدر ترتيب هدافي الدوري الفرنسي برصيد 5 أهداف في 3 مباريات فقط، بينما سجل 6 أهداف في 5 مباريات شارك فيها بجميع البطولات، وبنسبة تهديف مذهلة بلغت 1.66 هدف في المباراة الواحدة.
العودة من الرماد
في موناكو، وجد فاتي البيئة التي افتقدها طويلاً، فهنا بيئة تمنحه الأمان، وتعيد إليه الإحساس بالحرية فوق المستطيل الأخضر.
وتحت قيادة المدرب النمساوي آدي هوتر، تبدو ملامح اللاعب الذي عرفه الجميع في “كامب نو” تعود تدريجيًا، وعادت السرعة، والجرأة، واللمسة الحاسمة التي تُحوِّل الهجمات إلى أهداف.
هوتر وصفه بأنه “لاعب ذو تأثير فوري”، وهي عبارة لم تأتِ من فراغ، فقد سجل فاتي ثنائية ضد ميتز، ثم كررها أمام نيس، وأحرز هدفًا قاتلًا أمام لوريان من ركلة جزاء في الدقيقة 98.
في فرنسا، تسير خطوات فاتي بثبات وثقة، فهناك الإيقاع أقل خشونة مما اعتاده في إنجلترا، والمساحات أكثر اتساعًا، والضغوط أقل ضجيجًا، فكانت النتيجة: لاعب سعيد، حر، ومتحرر من عقد الماضي.
وكما قال في تصريحات حديثة: “هنا أشعر أنني أتنفس كرة القدم من جديد”.
إسبانيا تستعيد موهبتها الضائعة
نجاح فاتي لم يمر مرور الكرام في مدريد، فلويس دي لا فوينتي، مدرب المنتخب الإسباني، يتابع الوضع عن كثب، حيث يفتقر الماتادور إلى جناح يمتلك خيال فاتي وانفجاره، ومع اقتراب كأس العالم 2026، باتت عودته إلى “لا روخا” ممكنة أكثر من أي وقت مضى.
وقبل عام واحد فقط، كان فاتي خارج كل الحسابات الدولية، أما الآن، فالأرقام تتحدث: هو أكثر الإسبان تسجيلًا في الدوريات الخمسة الكبرى (5 أهداف في الدوري الفرنسي)، متفوقًا على فيران توريس وبورخا إجليسياس، والأهم من ذلك، أنه يقدم أداءً متوازنًا يجمع بين النضج التكتيكي والفاعلية الفردية
من أجل المجد.. أم المال؟
في برشلونة، لا يتحدث أحد عن فاتي بشكل رومانسي بعد الآن، لا عن “الرقم 10” الذي ورثه من ميسي، ولا عن حلم العودة إلى “كامب نو” ليقود الجيل الجديد، كل شيء الآن يُدار بمنطق المال.
وتنظر الإدارة الكتالونية، بقيادة المدير الرياضي ديكو، إلى فاتي من زاوية مختلفة تمامًا، فاللاعب المعار إلى موناكو يحصل على 16 مليون يورو سنويًا، نصفها تدفعه برشلونة، والنصف الآخر يتحمله النادي الفرنسي.
فيما يتضمن عقد الإعارة خيار شراء بقيمة 11 مليون يورو، مع بند آخر يتيح لبرشلونة استعادته مقابل 25 مليون يورو.
لكن الخطة الحقيقية، كما تسرب من داخل النادي، هي إعادة فاتي في الصيف القادم، لا من أجل منحه فرصة جديدة، بل لبيعه بسعر مرتفع.
ديكو يرى أن “الموهبة لا تموت”، وإذا استمر في هذا المستوى، يمكن بيعه بمبلغ يتراوح بين 70 و80 مليون يورو، وهو ما قد يمثل صفقة إنقاذ مالي حقيقية لنادٍ يعاني ضائقة مالية خانقة.
بين الطموح والمصلحة
لا يبدو المدرب الألماني هانز فليك، متحمسًا لإعادة فاتي إلى “كامب نو”، فهو يُفضّل نوعًا آخر من اللاعبين المنضبطين والدفاعيين، والمتحكمين في الإيقاع، وفاتي ليس كذلك، ولهذا السبب، يرى فليك أن مستقبله لا يجب أن يكون في برشلونة.
السيناريو الأكثر واقعية إذًا: أن يشتري موناكو عقده، أو أن يستعيده برشلونة فقط ليبيعه في السوق الإنجليزية، حيث يملك اللاعب جاذبية تسويقية كبيرة بفضل خلفيته الأكاديمية في “لاماسيا” وجنسيته الإسبانية.
قصة ولادة جديدة
أنسو فاتي اليوم، في موناكو، ليس ذلك الشاب الطائش الذي انهار أمام ضغوط المديح والإصابات، هو لاعب أكثر نضجًا، يعرف معنى الصبر، ويُقدّر قيمة الدقائق التي يقضيها داخل الملعب.
علمته رحلته الأخيرة أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن الثقة تُستعاد بالعرق، لا بالكلمات، ربما لن يعود إلى برشلونة أبدًا، وربما لن يحمل الرقم “10” من جديد، لكن المؤكد أنه استعاد شيئًا أكثر أهمية: ذاته.
وفي بلدٍ يعشق القصص الدرامية، يمثل فاتي اليوم رواية كاملة الأركان: سقوط، صمت، ثم نهوض. ومع اقتراب كأس العالم 2026، فإن العودة إلى منتخب إسبانيا لم تعد حلمًا بعيدًا، بل خطوة قادمة في طريق العودة إلى القمة.
قد لا يكون ميسي الجديد، كما كان يُوصف في بداياته، لكنه بالتأكيد أنسو فاتي الحقيقي، النسخة التي لا تخاف، ولا تتراجع، ولا تنسى كيف تُسجّل الأهداف.